أنميمقالات و مراجعات

الإرادة بين مسلسل ويست وورلد و أنمي نيفرلاند الموعودة

كلما أوغلنا في هذا المجال –مجال الأنيمي– صار الذوق متكلفا وأكثر تعقيدا، قد نشاهد أعمالا كثيرة لكن القليل من يجذبنا إليه جذبا؛ اعتمادا على درجة الأفكار والغموض والمفاهيم والطرق التي توصل إلى جوهر العمل الفني، وما يشارك هذا المجال عالم المسلسلات.

وإنك لتجد السعادة حينما تلقف الروابط بين أنيميٍّ ومسلسل ما فتخيطها في مخيلتك لتصنع متعة هي أكبر من الاقتصار على أحد المجالين. وفي هذا الصدد وجدت عملين تجاذبا فكرتين ثقيلتي الوزن ولكل أسلوب في عرضهما، وهما الإرادة الحرة بين الوعي والحقيقة.

كيف صُوِّر هذا المفهوم داخل العملين؟ وما هي نقطة التقاءهما؟

الإرادة هي ما تميز البشر عن الذوات الغير الحية، وهي الفارق بين العبد والحر، كما أنها الفاصل بين الإنسان والحيوان.. ومتى ما ارتفعت الإرادة عن الشخص يصير إنسانا تحكمه الغريزة أو ذاتا ساكنة يوجهها الآخرون إلى حيث يرغبون.

westworld

وقد غطى هذا المفهوم مسلسل (westworld) الذي يتحدث عن عالم كبير، يدخله الأغنياء بصفة هي غير الصفة التي كانوا عليها وسط أهليهم، ويطلق عليهم “الزائرون”، أما سكان ويست وورلد فهم عبارة عن روبوتات في شكل البشر، لا تكاد تميز بينهم إلا بالتدقيق، وقد أُطلِق عليهم “المضيفون”. هؤلاء الروبوتات صنعها العالِمان آرنولد وفورد.

فالأول كان متمسكا بفكرة جعل الروبوت واعٍ عبر ترديد الأصوات داخله وهو ما سمَّاها بـ”العقل ذو الغرفتين”، ثم حثُّه المضيف على خوض مغامرة المتاهة وفك ألغازها ثم الحصول بعدها على الوعي فالإرادة.

ديلوريس بطلة المسلسل استطاعت بلوغ مركز المتاهة بمساعدة المؤسس أرنولد حيث كان هو شيطان عقلها، حاصلة بهذا على وعيها، بينما البقية كانوا يتخبطون بل يصابون بالتلف حتى ظنها البعض عقبة نحو الكمالية، بينما د. فورد – صديق آرنولد- وصف هذه المنحة المعطاة للمضيفين، وخاصة ديلوريس، بالهدية المقدسة حيث عبر عن لوحة مايكل أنجلو بقوله « الهدية المقدسة لا تأتي من سلطة سامية وإنما من عقولنا»

واللوحة مرسوم عليها رجل كبير يمد يده من خارج المخ إلى أحد الشبان الجالسين على صخرة؛ إشارة إلى أن صدى الإله متواجد بالدماغ، وبهذا فالأفعال التي يمليها الصوت أو المخ هي التي تشكل مبدأ الوعي وبعبارة أدق الإرادة الحرة؛ لأن الإرادة لا تقوم لها قائمة بدون الوعي= لذا المضيفون الواعون هم بشر سامون.

أما العمل الثاني فيأتينا على شكل أنيمي نيفرلاند الذي يشابه نوعا ما ويست وورلد، فكلا العالمين مؤقتين للعيش وليسا بالعالمين الحقيقيين، كما أن الوحوش يأتون للميتم كي يمارسوا ساديتهم على الأطفال (أكلهم)، كفعل الزائرين الذين يستمتعون بقتل المضيفين، بالإضافة إلى مناقشته قضية الإرادة من ناحية الوجود.

the promised neverland
نيفرلاند الموعودة

ولا بد من طرح سؤال أولا: ما المعنى والغاية من الوجود؟ إن الغاية والمعنى أخوان يكملان بعضهما البعض، فالمعنى أجاب عنه نيفرلاند عن طريق إرادة إيما ونورمان وبقية الفتية في العيش، فهؤلاء الأطفال يُشَخِّصون موضوعا سيكولوجيا تناوله علماء النفس قديما.

إذ أن سقراط فكر في تجربة تتجلى في وضع مجموعة من السجناء الصغار في قبو ما مع تقييدهم بالسلاسل ومنعهم من ضوء الشمس لفترة طويلة، ضوءهم الوحيد تلك الشمعة أو الإنارة المتواجدة بالقبو، ثم يُجعل خيال بعض الأجسام تعرض على الحائط أمامهم كأنه عرض للدمى؛ الذي سيحدث أن عقل السجناء سيخلط هذا المشهد بالحقيقة معتبرين الخيالات حقيقة، ثم يحدث أن يكسر أحدهم السلاسل ليذهب مباشرة إلى تلك الخيالات ويكتشف بعدها أنها ليست أشياءً ملموسة مما سبب له خيبة.

واسم هذه القضية ( eye-crucition experience )، هذا الخيبة الذي حدثت للسجين تظهر مدى صعوبة تقبل الحقيقة، وبعدما سعى السجين إلى الخروج من القبو أصابه ضوء الشمس الذي أحاط به من كل مكان= حينها سر السجين بمعرفة حقيقة الواقع كما أنه خالطه شعور الحزن بسبب السجناء الآخرين.

هذا نفسه ما حدث للأطفال داخل الميتم في نيفرلاند في محاولة معرفة الحقيقة وتقبلها بكسر الواقع الذي يعيشون فيه.

طريق الحقيقة التي سار فيها أطفال الميتم كانت سببا في تولد الإرادة الحرة وسعيهم نحو الخلاص، وطريق الوعي الذي سلكه الربوتات من خلال المتاهة والبحث عن الذات (المضيفون) كانت سببا في الإرادة الحرة= نفس الفلسفة ونفس المنحى خطاه العملين من أجل تحقيق الوجود في هذا العالم.

بل ستجد في الموسم الثاني من ويست وورلد مفهوم مسلك الرجل السامي وهو نفسه المسلك الذي نحاه أطفال الميتم حيث الوجهة معلومة ولكن النهاية مبهمة.

Yousseflazrak

التاريخ واللغة لوحتان أرى فيهما ما يراه الناقد في لوحات الرسم، ولو جمعتهما في نص حول فكرة ما، فسترى إبداعا لا حدود له. هذا أنا، محب للغة والتاريخ والإنمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى