ثقافة عامة

المنطق الواقعي في اللغة العربية، لماذا العربية أجمل لغة في العالم ؟

(تعلّموا العربيّة ، فإنّها تثبّت العقل ، وتزيد في المروءة)  عمر بن الخطاب

قبل سنة تقريبا، دخلت في نقاش مع بعض الأصدقاء حول مواضيع عديدة، فقد كنا ننتقل من موضوع لموضوع بشكل خفيف وممتع، لكن عندما تحضر الجماعة تحضر معها السطحية في النقاش، وكان بيننا شخص لا اعرفه حق المعرفة، أجاد اظهار نفسه بمظهر المثقف علينا، وكلما أردت التعمق معه حول نقطة ما ينتقل لأخرى بسرعة كبيرة دون ان يترك لنفسه ثغرة، حتى طرحت موضوع حول اللغة العربية وكونها تتميز بالمنطق عكس باقي اللغات.

هنا تدخل المتنبي وأظهر أني مخطأ واستشهد بأقوال بعض الغربيين كي يؤكد أن كل لغات العالم بها منطق واحد والعربية ليست مميزة كما نراها نحن.

هاته النقطة بالذات طرحتها عمدا كي أتعمق فيها، فلم تمر مدة طويل على بحث بسيط قمت به حول العربية

منطق اللغة العربية و الحياة

كل لغات العالم بها منطق  وهذا شيء متفق عليه، لكنه منطق داخلي فقط، بينما العربية بها منطق داخلي ومنطق وجودي، او بعبارة اخرى، منطق تلامسه في الحياة الواقعية.

من مميزات اللغة العربية أنها لغة معربة في كلماتها، و المقصود بمعربة هو أن أواخر كلماتها تتحرك حسب موقعها في الجملة، تحس أن الكلمة بها حياة وتتراقص بين الجمل، فنحن نرفع الكلمة لو كانت فاعلا، وننصبها لو كانت مفعولا به، ونكسرها لو كانت مجرورة، كلمات معربة وليست مبنية فقط كجل لغات العالم.

فعندما نذهب للفاعل، العربية تقول يجب أن يكون دائما مرفوعا، وهذا منطق الحياة نفسها، فالأمة التي تصنع سلاحها و دوائها وملابسها… الخ، هي أمة مرفوعة، فالفاعل مرفوع، فهو الذي يفعل ويتحرك ويصنع لنفسه شيء، بالتالي يجب أن يكون دائما مرفوعا.

أما الذي ينتضر حتى يقع عليه الفعل، فهو مفعول به، لا يتحرك، بالتالي فهو منصوب، منصوب في مكانه، و النصب في العربية يعني ضد الحركة ويعني التعب، لهذا يجب أن يكون المفعول به منصوبا.

ننتقل لنقطة أخرى، نجد في اللغة العربية جملة ك“أنا أكتبُ”، الفعل هنا مرفوع لأنه ينجز، يفعل شيء ما.

لكن لو قلنا “أنا لم أكتبْ” لو لاحضت تم تسكين الفعل، لأن الفعل غير موجود، لم ينجز أي شيء، بالتالي تم تسكين الفعل، فقد تم نفي الفعل ( نادر ما تجد هذا المنطق الحي في باقي اللغات).

دعنا نعرج عند نقطة أخرى وجودية أخرى

لو قدمت لك جملة “جاء طفلٌ يضحكُ” تعرب كلمة يضحك بنعت، لكن لو قدمت لك “جاء الطفل ضاحكا” هاته المرة ستعرب كلمة ضاحكا بحال، كانت نعتا و أصبحت حالا رغم أن المعنى يبدو متشابها، فما سبب هذا التحول في الإعراب ؟

كي نفهم سبب هذا الإختلاف دعونا نخرج للواقع مرة اخرى، فلو التقيت بشخص تعرفه في الشارع، ستسأل عن أحواله وأخباره

بينما شخص لا تعرفه، ستود أن تسأل عن صفاته، هل هو أهل ثقة ؟ هل هو شخص عابس ام ضاحك ؟…

فالمثال الأول الذي وضعنا “جاء طفل يضحك” الطفل هنا نكرة ليس معروف لك، بالتالي هو نعت، بينما المثال الثاني “جاء الطفل ضاحكا” الطفل هنا معرفة وبالتالي كلمة ضاحكا تعرب بحال.

العربية تقول أن الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات (نعت)، فالجملة التي تأتي بعد المعرفة حال، والجملة التي تأتي بعض النكرة هي صفة.

بعيدا عن الجمل الفعلية، كلنا درسنا المتبدأ و الخبر، ومن باب الصدفة درسته البارحة لأختي الصغيرة لكن ليس بالطريقة التي سنتحدث حولها الآن.

العربية مرة أخرى تقول لنا، اذا تقدم المبتدأ يجب أن يكون معرفة (الموضوع مفيد، النور ساطع…) فالمبتدأ دائما معرفة وهذا كي يعطي للكلمة معنى، لكن لماذا ؟

لأن المتبدأ يقتضي خبرا، وكل خبر هو حُكم (المدرسة كبيرة، المجرة واسعة، العصير لذيذ…)

بالتالي المبتدأ يجب أن يكون معرفة لأنه يقتضي الخبر والخبر حكم ولا حكم على شيء نكرة، لا تحكم على النكرات الغير معروفة لك، لا تحكم على مالا تعرفه، هذا منطق الحياة وقد دخل في قواعد اللغة العربية.

اللغة العربية بشاهدة متعلميها، هي لغة منطقية بامتياز كما قال أحد متحدثي برنامج tedx.

بحيث أضاف أن لكتابة كلمة او عبارة او جملة في العربية، الأمر يشبه صياغة معادلة رياضية، لأن كل جزء منها دقيق للغاية ويحمل العديد من المعلومات.

جرب أن تبدأ جملتك بصيغة المؤنث ثم حولها للمذكر، ستجد أنك مضطر لتغير صيغة كل ما كتبته كلمة كلمة، هي لغة فعلا فريدة من نوعها و العرب كانوا أهلها وساداتها ولا يخطئون خطأ واحدا فيها.

بكل عظمة لغتهم وعظمة لسانهم، نزل القرآن وأخرس كل عربي ناطق بالعربية وجعله عاجزا، و تكفي شهادة الوليد بن المغيرة في القرآن، حيث قال “والله، إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته”

هؤلاء نوابغ العربية، اما رويبضات عصرنا، قالوا لك أن القرآن كله اخطاء وهو لا يفرق حتى بين النعت و الحال فمبالك أن يعرف منطقها ونحوها.

ونصيحتي لهؤلاء، لا تهرف بما لا تعرف، القرآن لن يفهمه الا من تبحر في العربية.

لقراءة المزيد حول العربية، أدعوك لقراءة مقالي حول مقارنة بينها و بين اللغة اليابانية “مقارنة بسيطة بين اللغة العربية و اليابانية، أي اللغتين أصعب ؟”

محمد أريوا

مؤسس شبكة مجرة الأنمي، مولع بالتاريخ و حضارات الأمم السابقة و أحب الكتابة عنهم و مشاركة كل ما أعرفه بأسلوب بسيط يصل لجميع الأعمار. أحب فن الأنمي لكن ليس لدرجة الهوس، له و عليه و أحب التطرق لكل شيء حول هذا الفن كذلك أعشق عالم الألعاب رغم قلة كتابتي عنه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى